فصل: قال ابن عادل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)}.
أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} قال: ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة، وذلك حين خلف موسى أصحابه واستخلف عليهم هرون، فمكث على الطور أربعين ليلة وأنزل عليهم التوراة في اللوح، فقربه الرب نجيًا وكلمه وسمع صرير القلم، وبلغنا أنه لم يحدث حدثًا في الأربعين ليلة حتى هبط الطور.
أما قوله تعالى: {ثم اتخذتم}.
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: اسم عجل بني إسرائيل الذي عبدوه يهبوب. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قرأ أبو عمرو ويعقوب: {وَعَدْنَا} هنا، وما كان مِثْلَه ثلاثًا، وقرأ الباقون: {وَاعَدْنَا} بالألف، واختار أبو عبيدة قراءة أبي عمرو، ورجّحها بأن المُوَاعدة إنما تكون من البَشَرِ، وأمَا الله عز وجل فهو المنفرد بالوَعْدِ والوَعِيدِ، على هذا وجدنا القرآن نحو: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ} [المائدة: 9]، {وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق} [إبراهيم: 22]، {وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله} [الأنفال: 7].
ورجحه مكّي فقال: وأيضًا فإن ظاهر اللفظ فيه وعد من الله تعالى لموسى، وليس فيه وعْد من موسى، فوجب حمله على الواحد، بظاهر النص ثم ذكر جماعة جلّة من القراء عليها كالحَسَنِ، وإبي رجاء، وأبي جعفر، وشيبة، وعيسى بن عمر، وقتادة، وابن إسحاق، ورجّحه أبو حاتم أيضًا بأن قراءة العامة عندنا {وعَدْنَا} بغير ألف؛ لأن المُوَاعدة أكثر ما تكون بين المَخْلُوقين والمُتَكَافئين.
وقد أجاب الناس عن قول أبي عبيد، وأبي حاتم، ومكي بأن المُفَاعلة هنا صحيحة، بمعنى أن موسى نزل قبوله لالتزام الوفاء بمنزلة الوعد منه، أو أنه وعد أن يفي بما كلفه ربه.
وقال القفال: ولا يبعد أن يكون الآدمي يعد الله تعالى ويكون معناه يعاهد الله تعالى، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ الله} [التوبة: 75] إلى أن قال: {بِمَا أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ} [الأنفال: 77].
وقال مكّي: المُوَاعدة أصلًا من اثنين، وقد تأتي بمعنى فعل نحو: طَارَقْتُ النَّعْل فجعل القراءتين بمعنى واحدٍ.
وقال الكسائي: ليس قول الله: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ} [النور: 55] من هذا الباب في شيء؛ لأن {واعدنا موسى} إنما هو من باب المُوَافاة، وليس من الوعد في شيء، وإنما هو من قولك: موعدك يوم كذا، وموضع كذا.
والفصيح في هذا أن يقال: واعدته، قال تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه قال: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} [طه: 59].
وقال الزجاج: {وَاعَدْنَا} بالألف جَيّد؛ لأن الطَّاعة في القبول بمنزلة المُوَاعد، فمن الله وَعْد، ومن موسى قَبُول واتباع، فجرى مجرى المواعدة.
وقال مكّي أيضًا: والاختيار {واعدنا} بالألف؛ لأنه بمعنى {وعدنا} في أحد معنييه؛ ولأنه لابد لموسى من وَعْد أو قَبُول يم مقام الوَعْدِ فتصحّ المُفَاعلة.
قال ابن الخَطِيب: الأقوى أن الله تعالى وعد الوَحْي، وهو وعد الله المجيء للميقات.
قال الجوهري: المِيعَادُ: المُوَاعدة والوقت والموضع؟
ووعد يتعدّى لاثنين، ف {موسى} مفعول أول، و{أربعين} مفعول ثانٍ، ولابد من حذف مضاف، أي: تمام أربعين، ولا يجوز أن يتنصب على الظَّرف، لفساد المعنى، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جار مجرى جمع المذكر السَّالم، وهو في الأصل مفرد اسم جمع، سمي به هذا العَقْد من العدد، ولذلك أعربه بعضهم بالحركات؛ ومنه في أحد القولين: الوافر:
وَمَاذَا يَبْتَغِي الشُّعَرَاءُ مِنِّي ** وَقَدْ جَاوَزْتُ حَدَّ الأَرْبَعِينِ

بكسر النون.
و{ليلة} نصب على التَّمييزن والعقود التي هي من عشرين إلى تِسْعِين، وأحد عشر إلى تسعة عشر كلها تميز بواحد منصوب.
و{موسى} هو موسى بن عِمْران بن يصهر بن قاهت بن لاوي ين يَغْقُوب بن إسْحَاق ابن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، اسم أعجمي غير منصرف، وهو في الأصل على ما يقال مركّب والأصلأ: مُوشَى بالشين لأن ماء بلغتهم يقال له: مو والشّجر يقال له: شَا فعربته العرب فقالوا: موسى.
قالوا: إما سمي به؛ لأن أمه جعلته في التَّابوت حين خافت عليه من فِرْعون، وألقته في البحر، فدفعته أمواج البحر حتى أدختله بين أشْجَار عند بيت فرعون، فخرجت جَوَاري آسيَةَ امرأة فرعون يَغْسِلْنَ فوجدن التَّابوت، فأخذنه فسمي عليه الصلاة والسلام باسم المكان الَّذِي أصيب فيه وهو الماء والشجر، وليس لموسى اسم النَّبِيّ عليه الصلاة والسلام اشتقاق؛ لأنه أعجمي؛ لأن بني إسرائيل والقْبط ما كانوا يتكلّمون بلغة العرب.
ومنهم من قال: إنه مشتق، واختلفوا في اشتقاقه، فقيل: هو مفعل من أوْسَيْت رأسه: إذا حلقته فهو مُوسى، كأعطيته فهو مُعْطَى، فمن جعل اسمه عليه مشتقًا قال: إنما سمي بذلك لِصَلَعِهِ.
وقيل: مشتق من مَاسَ يَمِيسُ أي: يَتَبَخْتَرُ في مشيته ويتحركن فهو فعلى وكان عليه الصلاة والسلام كذلك، فقلبت الياء واوًا لانظمام ما قبلها كمُوقِن من اليَقين.
والصحيح الأول، وهذا الاشتقاق إنما هو في مُوسى آلة الحَلْق.
قوله: {ثُمَّ اتخذتم العجل} اتَّخَذَ يتعدّى لاثنين، والمفعول الثاني محذوف أي: اتخذتم العِجْلَ إلهًا، وقد يتعدّى لمفعول واحد إذا كان معناه عمل وجعل نحو: {وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} [البقرة: 116].
وقال بعضهم: تَخِذَ واتَّخَذَ يتعدّيان لاثنين ما لم يفهما كسبًا، فيتعديان لواحد، واختلف في اتَّخَذَ فقيل: هو افتعل من الأّخْذِ، والأصل: ائْتَخَذَ الأولى همزة وصل، والثانية فاء الكلمة، فاجتمع همزتان ثانيتهما ساكنة بعد أخرى، فوجب قلبها ياء كإيمان فوقعت الياء فاء قبل تاء الافتعال، فأبدلت تاء، وأدغمت في تاء الافتعال كاتَّسَرَ من اليُسْرِ، إلا أن هذا قليل في باب الهمز؛ نحو: اتَّكَلَ من الأَكْل، واتَّزَر من الإزَار؛ وقال أبو عليٍّ: هو افْتَعَل من تَخِذَ يَتْخَذُ؛ وأنشد: الطويل:
وَقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي إلَى جَنْبِ غَرْزِهَا ** نَسِيفًا كَأُفْحُوصٍ القطَاةِ المُطَوِّقِ

وقال تعالى: {لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77] وهذا أسهل القولين.
والقُرّاءُ على إدغام الذَّال في التاء لقرب مخرجهما، وابن كثير، وعاصم في رواية حَفْص بالإظهار، وهذا الخلاف جارٍ في المفرد نحو: اتَّخَذْتُ، والجمع نحو: اتَّخَذْتُم، وأتى في هذه الجملة بثم دلالة على أن الاتِّخَاذ كان بعد المُوَاعدة بمهلة.
قوله: {مِنْ بعْدِهِ} متعلّق ب {اتَّخَذَتُمْ}، ومن لابتداء الغاية والضمير بعود على مُوسى، ولابد من حذف مضافٍ، إي: من بعد انطلاقه أو مُضِيّه.
وقال ابن عطية: يعود على موسى.
وقيل: على انطلاقه للمتكلّم.
ويل: عرى الوَعْدِ، وفي كلامه بعض مُنَاقشة، فإن قوله: وقيل يعود على انطلاقه يقتضي عوده على موسى من غير تقدير مضاف، وذلك غير مُتَصَوَّر.
قوله: {وَأَنْتُم ظالِمُونَ} جملة حالية من فاعل {اتَّخَذْتُمْ}.
و{العِجْل} ولد البقرة والعُجُول مثله، والجمع عَجَاجِيْل، والأنثى عِجْلة، عن أبي الحسن، وسمي العجل عِجْلًا لاستعجالهم عبادته، ذكره القُرْطبي، وفيه نظر؛ لأن العِجْلَ ولد البقرة كان موجودًا قبل أن يتخذ بنو إسرائيل العِجْل. اهـ. باختصار.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في ذكر موسى عليه السلام:
موسى اسمٌ مُعَرَّبٌ أَصله مُوشا، ومُو بالعِبْرِيَّة الماء، وشا الشَّجَر، سمّى به لأَنَّه وجد في الماء والشجر الذي كان حول قصر فرعون في عين الشمس، وهى موضع معروفٌ بمصر لا يَنْبُت شجر البَلَسان إِلاَّ فيه.
قيل: سُئِل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ما بَال الله أَكْثَرَ ذِكْرَ موسى في القرآن؟ فقال: لأَنَّ الله يُحِبُّه، ومنْ أَحبَّ شَيْئًا أَكثر ذِكْرَه.
قال كعبٌ: سَمِع موسى كلام الله يوم الطُّور غير ما سمِعه قبل ذلك، فقال موسى: يا ربّ وكيف هذا؟ قال الله تعالى إنما كلَّمتك على قَدْر طاقَتِك، ولو كلَّمتك أَشدَّ من هذا لَذُبْتَ.
وقد دعاه الله تعالى في القرآن بخمسين اسْما تصريحًا وتعريضًا، هادِى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، دَاعِى: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}، نَاجِى: {وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ}، ساقى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى}، نَاسِى: {لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}، صادقٌ: {وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}، صاعِقٌ: {وَخَرَّ موسَى صَعِقًا}، مُصْطَفَى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ}، شاكِرٌ: {وَكُنْ مِّنَ الشَّاكِرِينَ}، صَابِرٌ: {إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا}، آمِرٌ: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا}، غَضْبانُ وأَسِفٌ: {إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا}، مَذْكُور: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى}، مُخْلَص: {إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا}، رَسُولٌ ونَبِىٌّ: {وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا}، مُنادى: {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ}، مُقَرَّبٌ ونَجِىٌّ: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}، مُختارٌ: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ}، مُسْتمِع: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}، مُسَبِّح: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا} مَحْبُوبٌ: {عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي}، مُصْطَنَع الحقّ: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}، قُرَّةُ عين: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ}، {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها}، أَعْلَى: {لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى}، كَبِيرٌ: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ}، مُسْتَعْجل: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}، رَسُولٌ كريمٌ: {وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ}، مُرْسَلٌ: {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}، ولِيدٌ: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا}، لابِثٌ: {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ}، مُبَرَّأٌ: {فَبرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُواْ}، مُبارَكٌ: {أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ}، وَجِيهٌ: {وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا}، بالِغٌ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ}، ظَهيرٌ: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ}، خائفٌ: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا}، فَقِيرٌ: {إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}، قَوِىٌّ وأَمينٌ: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}، أَجير: {عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ}، قاضى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ}، مُقْبِل: {أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ}، آمِنٌ: {إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ}، مَنْصُورٌ: {وَنَصَرْنَاهُمْ}، غالِبٌ: {فَكَانُواْ هُمُ الْغَالِبِينَ}، مَهْدِىٌّ: {وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، مُحْسِنٌ: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}، مُؤْمِنٌ: {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}، رَجُلٌ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا}.
وذكره الله تعالى في القرآن باسْمه في مائة وثلاثين موضعًا، منها: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى}، {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}، {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَى}، {وَقَالَ مُوسَى يا فِرْعَوْنُ}، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ}، {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}، {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ}، {يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ}، {يا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}، {يامُوسَى اجْعَلْ لَّنَا الهًا}، {وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي}، {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا}، {وَخَرَّ موسَى صَعِقًا}، {يامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ}، {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى} إِلى قوله: {جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ}، {رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ}، {وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ}، {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ}، {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ}، {قَالَ لَهُمْ مُّوسَى أَلْقُواْ}، {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ}، {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ} إِلى قوله: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ}، {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}، {آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ}، {إِنِّي لأَظُنُّكَ يامُوسَى مَسْحُورًا}، {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ}، {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ}، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى}، {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}، {نُودِيَ يامُوسَى}، {أَلْقِهَا يامُوسَى}، {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يامُوسَى}، {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يامُوسَى}، {جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يامُوسَى}، {فَمَن رَّبُّكُمَا يامُوسَى}، {قَالَ لَهُمْ مُّوسَى}، {يامُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ}، {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى}، {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى}، {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي}، {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يامُوسَى}، {هَذَا الهكُمْ وَاله مُوسَى}، {وَأَنجَيْنَا مُوسَى}، {نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى}، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى}، {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى}، {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}، {قَالَ لَهُ مُوسَى}، {قَالَ يا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ}، {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ}، {يا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ}، {يا مُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ}، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}، {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ}، {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ}، {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}، {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً}، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}، {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}، {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى}.
قيل لمّا سأَل موسى الرّؤية أَتاه من كلّ سماءٍ سبعون أَلف مَلَكٍ، وبيد كلّ واحد شعلة نار، ويقولون يا ابن النِّساء الُحيَّضِ، أَتطمع في رؤية ربِّ العزَّة؟! وقال السُّدّىُّ لمّا قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} أَحفّ الله الطور نيرانًا، وأَحفَّ النيران ملائكةً، وأَحفَّ الملائكة بالبرْق، والبرْقَ بالظُّلْمة، والظُّلمة بالزَّلْزلَة، ونُودِى لَنْ تَرانِى.
وقال وهبٌ وابن إِسحاق: لمّا سأَل موسى الرّؤية أَرسل الله تعالى الضَّباب والصّواعق والظُّلمة والرَّعْد والبَرْقَ وأَحاطَتْ بالجبل الذي عليه موسى أَربعة فراسخ من كلّ جانبٍ، وأَمر الله تعالَى ملائكة السَّماوات أَن يُعْرَضوا عليه، فمرّت به ملائكة السّماء الدّنيا كثيران البقر تتابع أَفواههم التسبيح والتَّقديس بأَصوات عظيمة كصوت الرّعد الشديد، ثم أَمر الله تعالى ملائكة السّماء الثانية أَن اهبطوا على مُوسى فاعترضوا عليه، فهَبطُوا عليه أَمْثال الأُسُودِ لهم لَجَبٌ بالتَّسبيح والتَّقديس، ففَزِع العبْدُ الضَّعِيفُ ممّا رأَى وسمِع، واقشعرّت كلّ شعرة في رأْسِه وجسده، ثم قال: لقد نَدِمْت على مسْألتِى، فهل يُنْجِيِنى من مكانى الذي أَنا فيه شئ؟ فقال له خير الملائكة ورئيسهم: يا موسى اصْبِرْ لما سأَلت، فقليلٌ من كثير ما رأَيت.
ثمّ أَمر الله تعالى ملائكة السّماء الثَّالثة، أَن اهبطوا على مُوسى واعترضوا عليه فَهَبطُوا أَمثال النُّسورِ لهم قَصْف ورجْفٌ ولَجبٌ شَدِيدٌ، وأَفواههم تتابُع التسبيح والتقديس كلَجَبِ الجيْش العظيم، أَلوانهم كلَهَب النَّار، ففزع موسى واشتدَّ نَفَسُه وأَيِس من الحياة، فقال له خير الملائكة: مكانَك يا ابْنَ عِمْرانَ حتى ترى ما لا تَصْبِرُ عليه.
ثمّ أَمر الله تعالى ملائكة السّماء الرّابعة أَن اهْبِطوا على موسى فاعْتَرِضوا عليه، فهبطوا وكان لا يشبههم شيء من الذين مرّوا به قبلهم، أَلوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثَلْجِ الأَبيض، أَصواتُهم عالية بالتسبيح والتَّقْديس، لا يُقاربهم شيء من أَصوات الَّذين مرُّوا به قبلهم، فاصطكت رُكْبتاه وأُرْعِد قلبُه، واشتدّ بُكاؤه، فقال له خير الملائكة ورأسهم: يا ابْنَ عِمْران اصبر لما سأَلت، فقليل من كثير ما رأَيت.
ثمّ أَمر الله تعالى ملائكة السّماءِ الخامسة أَنِ اهبطوا فاعترِضوا على موسى، فهَبطوا عليه لهم سبعةُ أَلوان فلم يستطع موسى أَن يُتْبِعهم بصره، لم ير مثلَهم ولم يسمع مثل أَصواتهم، فامتلأَ جوفُه خوفا، واشتدّ حزنه وكثر بكاؤه، فقال له خير الملائكة ورأسهم: يا ابن عِمْران اصبر حتى تَرى بعض ما لا تصبر عليه، فهبطوا عليه في يد كلّ ملَكٍ منهم مثل النَّخلة الطَّويلة نارًا أَشدّ ضوءًا من الشمس ولِباسُهم كلَهَبِ النار، إِذا سبحوا وقَدّسوا جاوبهم من مكان قبلهم من ملائكة السّماوات كلّهم يقولون بشدّة أَصواتهم سبّوح قُدُّوسٌ ربُّ الملائكة والرُّوح، ربُّ العِزَّة أَبدًا لا يمُوت، في رأس كلّ ملَكٍ منهم أَربعةُ أَوْجُه.
فلمّا رآهم موسى، رفع صوته يسبّح معهم حين سبّحوا وهو يبْكى ويقول: ربّ اذكُرْنى ولا تَنْس عبْدك، لا أَدرى أَنْفَلِتُ ممّا فيه أَم لا؟ إِن خَرَجْت احْتَرقْت، وإِن مكَثْت مِتُّ! فقال له خير الملائكة ورأسهم: اسكت يا ابنَ عِمْران: أَوْشك أَنْ يشتدّ خَوْفُك وينخلع قَلْبُك فاصبر للذى سأَلت.
ثم أَمر الله تعالى أَن يحمل عرشه في ملائكة السَّماء السّابعة، فلمّا بدا نورُ العِزَّة انفرج الجبل من عظمة الرّب تعالَى، ورفعت ملائكة السماوات أَصواتَهم جميعًا يقولون: سبحان المِلك القُدُّوسُ ربُّ العِزَّة أَبدًا لا يمُوت، بشدّة أَصواتهم، فارتجَّ الجبل، وانْدَكَّ كُلّ شجرة كانت فيه وخَرَّ العبد الضَّعيف موسى صعِقًا على وجْهِه وليس معه رُوحه، فأَرسل الله تعالى برحْمتَه الرُّوح فتَغَشّاه، وقَلَب عليه الحجر الذي كان عليه موسى وجعله كهَيْئة القُبَّة لئلاّ يحْتَرِق موسى، فأَقامه الرُّوح مثل الأُمّ، فقام موسى يسبِّحُ الله تعالى ويقول: بِكَ آمنت ربِّى وصدَّقْتُ أَنَّه لا يراك أَحدٌ فيَحْيا، ومن نظر إِلى ملائكتك انْخَلَع قلبُه، فما أَعظَمكَ وأَعْظَم ملائكتك، أَنت ربُّ الأَرْباب وإِله الآلهة، ومَلِكُ المُلوك، لا يعْدِلُك شئٌ، ولا يقُوم لك شئٌ، ربِّ تُبْتُ إِليك، الحمدُ لَكَ لا شريك لَكَ، ما أَعْظَمك وما أَجلَّك ربُّ العالمين.
أَنشد بعض الأَدباء:
لِلْحُبّ نورٌ مُنَوّرْ ** في عَرْصة الجِنانِ

للَّذِكر حُسْنُ أُنْسٍ ** يُنْسِى جَنَى الجِنان

الحُبُّ في كَمالٍ ** والحُبُّ في جمالٍ

أَضحى أَخا كَلالٍ ** عن وصفه لِسانى

الشَّوْق في الْتِهابِ ** والدَّمْع في انْسِكابِ

السِرُّ في اضْطراب ** يَنْبُو عن البَيان

فيهم لَقِيتُ كَرْبا ** حتىّ انْتَشَيْت شربًا

ثمّ اشْتَهَيْت قرْبًا ** من سُكْرٍ اعْترانىِ

نادَيْت يا حَبِيبِى ** ارحَمْ عَلا نحيبى

اسْمَع من الغَرِيب ** انْظرْ إِلى المُهانِ

بادِرْ إِلَىَّ عَطْفًا ** اصْبُبْ لَدَىّ لطْفًا

وامْننْ عَلَىّ كَشْفًا ** في مَجْلس التَّدانى

نُودِيتُ يا ابْن آدَمْ ** نسيتَ عِلْمَ عالِمْ

يا سيّدى إِلى كَمْ ** من قَهْر لَنْ تَرانى